بسم الله الرحمن الرحيم

        

 

         يواجه المسلمون في المرحلة الراهنة حملة ظالمة من المزاعم والافتراآت القائمة على مفاهيم مغلوطة وأحكام مسبقة، تلصق بهم وبدينهم بغياً وعدواناً تهم التطرف والإرهاب وترويع الآمنين وكره الغرب ورفضه.

 

         والحقيقة أن المسلمين هم الموضوعون في قفص الاتهام وليس الإسلام، لأن الوضع في هذا القفص يحتمل محاكمة تفضي إما إلى البراءة وإما إلى الإدانة. والإسلام منزهٌ عن أن يكون في هذا الوضع، على الرغم مما يزعم خصومه الذين يرون ضرورة إعادة صياغته، وفق ما يضمن لهم مصالحهم ويحقق هيمنتهم، بعد تجفيف ما فيه من منابع يرونها تشجع التطرف وتحث على الإرهاب ؛ في حين أن المسلمين بالفعل هم الموجودون حالياً داخل قفص الاتهام. فهم مع كثرة عددهم الذي يشكل خمس سكان العالم، يقفون شبه مستسلمين لما يراد بهم، ضعفاء مستكينين، قانعين باستهلاك ما يقدم لهم، عاجزين عن رفع التحديات الكبيرة والكثيرة التي تواجههم وتهدد وجودهم، والتي تبدأ من العولمة إلى التفوق العلمي التكنولوجي والتقدم الاقتصادي، وما ينتج عن ذلك من مبادئ وأفكار وقيم ومقومات تستهدف الكيانات والهويات الثقافية.

 

         في هذا السياق نشرت في الغرب كتابات متعددة تحث على الإثارة والاستفزاز، وتجد لها بذلك سوقاً رائجة لدى المتحاملين على المسلمين، وكذا لدى الذين تحرك فيهم حب الاطلاع على الدين الإسلامي والشعوب المنتمية إليه، وما لهذه الشعوب تجاه نفسها ومع غيرها المنضوية تحت ملل أخرى من رؤى ومواقف وما لهم إزاءها من تصرفات.

 

         وفي المقابل، نشرت كتابات أخرى وافرة تحاول إبراز سماحة الإسلام وموقفه من السلم والحرب.

         وعلى الرغم من ذلك، ومن وضوح هذا الموقف وسلامته، فإن إثارته تبدو ملحة وضرورية في الظرف الحالي الذي تأزمت فيه أوضاع المسلمين، وأُلصقت بهم وبدينهم السمح الحنيف تهمة الإرهاب الذي يمارس في مناطق كثيرة من العالم، والذي كانت أحداث يوم الثلاثاء الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكيةŒ، منعطفاً حاسماً فيه لم تلبث أحداث أخرى أن عمقت إشكاله وزادت تعقيده ؛ ولا سيما ما وقع بالدار البيضاء يوم الجمعة 16 ماي 2003، وبمدريد يوم الخميس 11 مارس 2004Ž ؛ دون إغفال ما تتعرض له المملكة العربية السعودية، على حد ما حدث في الخبر يوم السبت 29 ماي 2004.

 

         ومن ثم لم يكن مستغربا أن تعقد مؤتمرات وتنظم ندوات – سواء على النطاق العربي الإسلامي أو على المستوى العالمي – للتعريف بسماحة الإسلام ووسطيته وسلميته وإبراز موقفه الرافض للتطرف والإرهاب.

 

         وقد أتيح لي أن أحضر بعض هذه اللقاآت وأشارك فيها بعروض تمس جوانب من هذه الظاهرة، ومن بينها:

 

1-       الدورة الربيعية لأكاديمية المملكة المغربية المنعقدة بالرباط أيام 11-12-13 صفر الخير 1423هـ الموافق 25-26-27 أبريل 2002م في موضوع: "العلاقات الدولية في العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين: أي أفق ؟". وفيها شاركت بعرض عن "سماحة الإسلام وسلميته وقضية الإرهاب".

 

________________________

Œ بأربع طائرات: اثنتان ارتطمتا بمركز التجارة العالمي في نيويورك مخلفتين نحو ألفي قتيل، والثالثة ارتطمت بمبنى   البانتاجون في وشنطن، والرابعة سقطت في بنسلفانيا بسبب عدم تحكم ربابنتها.

إثر خمسة انفجارات أصابت خمسة مواقع، وهي: فندق فرح، ومطعم إيطالي، وناد إسباني، ومركز الطائفة اليهودية، وحي شعبي بالقرب من المقبرة اليهودية في المدينة القديمة. وقد خلفت هذه الانفجارات خمسة وأربعين قتيلا ونحو         مائة جريح

Ž بتفجير أربعة قطارات مما أودى بحياة نحو مائتي شخص وجرح أزيد من ستمائة.

وفيها توفي اثنان وعشرون ما بين سعوديين وأجانب.

2-       المؤتمر العام السادس عشر الذي نظمته في القاهرة وزارة الأوقاف والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بجمهورية مصر العربية من 8 إلى 11 ربيع الأول 1425هـ الموافق 28 أبريل إلى 1 ماي 2004م، ودار موضوعه حول "التسامح في الحضارة الإسلامية"، وساهمت فيه ببحث عن "معادلة السلم والحرب في منظور الإسلام".

 

3-       الندوة التي عقدتها لجنة القيم الروحية والفكرية بأكاديمية المملكة المغربية في مقرها بالرباط يومي 20 و21 ربيع الأول 1425هـ الموافق 10-11 ماي 2004م عن "التطرف ومظاهره في المجتمع المغربي"، وذلك بمناسبة مرور عام على أحداث الدار البيضاء. وبحكم رئاستي لجلسات هذه الندوة، فقد قدمت عرضاً تمهيديا لها عن "وسطية الإسلام"، كما قدمت عرضاً آخر عن "أسباب التطرف والإرهاب".

 

         وكانت العروض التي شاركت بها في هذه المنتديات – مجموعة ومنسقاً فيما بينها ومضافاً إليها – أصل هذا الكتاب الذي يسعدني أن أنشره مقسماً إلى المباحث الآتية:

 

1-     مفهوم مصطلح التطرف.

2-     مفهوم مصطلح الإرهاب.

3-     سماحة الإسلام.

4-     وسطية الإسلام.

5-    معادلة السلم والحرب.

6-     أسباب التطرف والإرهاب.

7-     استخلاص.

8-     خاتمة.

 

         وحتى يكتمل المنظور الصحيح للإسلام من خلال تجربته التاريخية، فقد ألحقت بهذه المباحث عرضاً عن "التسامح الديني وأثره في حضارة الأندلس" وكنت ألقيته في افتتاح الندوة الدولية التي نظمها بالرباط "مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات" أيام 27-28-29 ذي الحجة 1422هـ الموافق 12-13-14 مارس 2002م في موضوع "الحضارة الإسلامية في الأندلس ومظاهر التسامح".

 

         فلعل الكتاب أن يكون مساهمة مني في التعريف بحقيقة الإسلام وتبرئ المسلمين مما يلصق بهم من تطرف وإرهاب يزعم خصومهم أن مردهما إلى الدين الحنيف.

 

         والله الموفق.

 

الرباط في 12 جمادى الأولى 1425هـ                                             عباس الجراري

الموافق 30 يونيو 2004م